سناء القويطي-فاس
لم تمنع الأمطار المنهمرة الغيني سيكو شريف من زيارة سوق الليدو للكتب بفاس. توقف عند دكان نور الدين الحسني سائلا عن كتب في فنون الصرف والنحو كان قد أوصاه بها. تبادلا أطراف حديث ودي، فسيكو زبون وفيّ لهذا السوق الذي يطلق عليه أهل المدينة “حفرة الكتب”.
غير بعيد عن دكان نور الدين، انهمك زبائن آخرون في قراءة العناوين والفهارس، احتموا بالقصدير المتهالك من زخات المطر، وانغمسوا في عالمهم الخاص علهم يجدون كتابا يغريهم بشرائه أو مرجعا يعينهم في أبحاثهم.
ويقول سيكو شريف للجزيرة نت بعربية فصيحة إنه يقصد المكان بين الفينة والأخرى بحثا عن كتب في قواعد اللغة العربية والقانون، فهذا الشاب الغيني أمضى مساره التعليمي في مدارس إسلامية ببلاده، وجاء إلى المغرب قبل عام لدراسة القانون بفاس، ومنذئذ يعمل بجد للغوص في بحر لغة الضاد، فلا يجد ضالته من الكتب إلا في هذا السوق.
وسوق الليدو -أو الحفرة- هو واحد من أشهر أسواق الكتب المستعملة والقديمة في المغرب، والوحيد في عاصمة المغرب الروحية، ويقع في مكان قريب من جامعة محمد بن عبد الله، لذلك فهو مقصد الطلبة من مختلف التخصصات.
محلات حفرة الكتب مسقوفة بالقصدير (الجزيرة) |
زبائن من مشارب مختلفة
إلى جوار قنطرة الليدو وفي أرض منخفضة، يصطف الباعة في محلات قصديرية يصل عددها إلى الثلاثين، تتكوم الكتب بعضها فوق بعض دون ترتيب أو توضع على الأرض فوق طاولة خشبية أو أكياس بلاستيكية أو تتراص على رفوف داخل الدكاكين.
أنشئ السوق عام 1991 بعدما نقلت السلطات الكتبيين الذين كانوا مستقرين في ساحة الجامعة إلى محلات تم إعدادها من أجلهم في حي الليدو، وبحسب ما أوضح للجزيرة نت حسن اقريبع رئيس جمعية المعرفة للكتب المستعملة بسوق الليدو -والتي أسسها الكتبيون عام 2008- فإن السوق معروف أيضا باسم “الحفرة” بسبب موقعه في مكان منخفض من الأرض.
وليس الطلبة وحدهم من يستهويهم المكان، بل كل عشاق الكتب من داخل المدينة وخارجها. يقول نور الدين الحسني الذي بدأ ممارسة مهنة الكتبي منذ كان يافعا إن زبائن السوق من مشارب متنوعة، فمنهم الشباب والطلبة الباحثون والأساتذة وكبار السن من محبي التنقيب وسط أكوام الكتب القديمة عن كنوز المعرفة.
لكل بائع اختصاصه
ويختص كل بائع في السوق ببيع أصناف معينة من الكتب، فبعضهم يبيع الكتب القديمة والمستعملة وآخرون يختصون في الكتب المدرسية والمقررات الجامعية، وغيرهم يعرضون آخر الإصدارات التي لا يجدها عشاق القراءة إلا في هذا السوق.
ويعرض نور الدين الحسني في دكانه الكتب الجديدة، ويحكي للجزيرة نت أنه يقصد المكتبات الكبرى في مدينة الدار البيضاء ويقتني العناوين التي يرى أن لها طالبين وراغبين، فخبرة هذا الرجل الخمسيني الطويلة في هذه المهنة جعلته يمتلك حاسة سادسة تتوقع طلبات الزبائن والعناوين التي يرغبون فيها.
تعلم الحسني الحرفة منذ كان يافعا على يد كتبيين كبار في المدينة العتيقة لفاس، ومنهم تشبع بقواعد المهنة وأخلاقياتها، مما جعل علاقته بالكتاب تتجاوز علاقة التاجر ببضاعته إلى احترام وتقدير لما يحمله بين دفتيه من علم ومعرفة، لذلك لم يستسلم الرجل -كما يقول- أمام إغراق السوق بالكتب المقرصنة الرخيصة، وتمسك ببيع الكتب التي تحترم حقوق المؤلف والناشر.
الكتب مصفوفة على رفوف أو موضوعة على الأرض (الجزيرة) |
تبادل الكتب
يقول حسن اقريبع للجزيرة نت إن عدد زبائن السوق تراجع بالمقارنة مع السنوات الأولى لإنشائه، ويعزو ذلك إلى ظهور الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة، غير أن هذا التراجع لم يوقف عجلة البيع والشراء فيه، فللكتاب دائما مريدون، وبحسب رأيه “ما زال الكثيرون يفضلون لمس الكتاب وهم يقرؤونه، وتحسس أوراقه وشم رائحتها، ويرغبون في الاحتفاظ بنسخة منه في مكتباتهم المنزلية”.
وليس بيع الكتب هو الخدمة الوحيدة التي يقدمها سوق الليدو لزبائنه، بل يتيح لهم تبادلها مع الباعة. يشرح حسن هذه الخدمة فيقول “يحضر الزبون كتابا أو رواية للبائع ويأخذ مقابلها كتابا آخر مع إضافة مبلغ رمزي يتراوح بين 5 و10 دراهم (بين نصف دولار ودولار واحد)”، وهذه الطريقة -وفق حسن- تساهم في تعميم القراءة وجعل الكتاب في متناول الجميع.
وإلى جانب الدفاع عن مصالحهم والسعي لتحسين ظروف العمل في السوق، تعمل جمعية المعرفة التي أسسها كتبيو حفرة الكتب على تنظيم معارض سنوية وسط المدينة من أجل تشجيع القراءة وتقريب الكتاب من القراء، ففي نظر حسن اقريبع: الأمم تحيا عندما تقرأ.المصدر : الجزيرة