لطالما احتلت الخرافات والأساطير جزءًا كبيرًا من التراث الثقافي الصيني. فالمتابع لهذا الإرث الإنساني الضاربة جذوره في أعماق التاريخ، يجد أنه ينطوي على العديد من المعتقدات الشعبية والقصص والحكايات المثيرة، التي لا تزال تسيطر على شرائح كبيرة من المجتمع الصيني، الذي يبدو موحدًا في إيمانه المطلق بما ورثه عن أجداده وأسلافه من قيم ومعتقدات يتجاوز عمرها أربعة آلاف سنة، على الرغم من تعدد قومياته وثقافاته واختلاف لغاته.
ويتجلى الكثير من صور الإيمان الصيني المطلق بتلك المعتقدات والخرافات في العديد من المناسبات الرسمية والشعبية، وربما تكفي نظرة خاطفة للقارئ أو الباحث على الطريقة التي يحتفل بها الصينيون بأعيادهم الوطنية، ليدرك مدى تأثير تلك المعتقدات على حياتهم. فمازال التنين الصيني يشكل أيقونة لهذه الاحتفالات، ومازال اللون الأحمر الذي يعتبر لون الحظ بالنسبة للصينيين، حاضرا في كافة مظاهر الحياة في الصين، ومازالت المصاعد وأرقام الهواتف شاهدة على خوف وخشية الصينيين من الرقم “4” الذي يوافق لفظه معنى الموت في اللغة الصينية.
الصينيون يحيلون الكثير من الأمراض إلى الأرواح الشريرة والأساطير (الجزيرة) |
الرقم “8” أكثر من مجرد رقم
يعتبر الرقم “8” رقم الحظ وفقًا للمعتقدات القديمة في الصين، وذلك نظرًا لدلالة لفظه باللغة الصينية (با) التي تشير إلى معنى الزيادة أو التخمة، وقد لا يصدق القارئ القول بأن الأمة الصينية مجتمعة حكومة وشعبًا، ناضلت في عام 2001 من أجل الفوز بتنظيم دورة الألعاب الأولمبية عام 2008 في العاصمة الصينية بكين، وأن السر في ذلك الرقم ثمانية.
لكنه سيصاب بالذهول حين يعلم أن اللجنة الصينية المنظمة للحدث، اختارت اليوم الثامن من الشهر الثامن في العام الثامن بعد الألفين، الساعة الثامنة وثماني دقائق وثماني ثوان، موعدًا لافتتاح الدورة الأولمبية في نسختها التاسعة والعشرين.
ويعتقد الصينيون أنه بفضل هذا الموعد الاستثنائي والتاريخي، الذي شكل حافزًا كبيرًا لهم، تمكن اللاعبون الصينيون من إحراز المركز الأول في ترتيب الميداليات في تلك البطولة، وذلك بعد فوزهم بمائة ميدالية، منها: 51 ميدالية ذهبية، و21 ميدالية فضية، و28 ميدالية برونزية، وهو لاشك رقم قياسي في تاريخ مشاركات الصين في دورات الألعاب الأولمبية منذ المشاركة الأولى لها عام 1932.
الرقم “4” نعشٌ يطاردك
على النقيض تمامًا من الرقم “8”، فإن الرقم “4” يحمل للصينيين الشؤم والمآسي نظرًا إلى ارتباطه بالموت، لأن طريقة نطقه باللغة الصينية (سا) تعني الموت، لذلك تجد الخوف يسيطر على الصينيين فيتجنبون استخدامه في المصاعد والفنادق، وأرقام الغرف وحتى أرقام الهاتف، ويتم استبداله بالحرفF أو الرقم 3A
ويتجنب الصينيون أيضا الارتباط والزواج وإقامة المناسبات الرسمية والشعبية في أي يوم أو عام يحمل الرقم “4”، ويكفي للاستدلال على ذلك الاطلاع على الإحصاءات التي صدرت عن دائرة الشؤون المدنية في الصين العام الماضي، والتي أشارت إلى أن عام 2014، هو أقل الأعوام التي شهدت فيها الصين إقبالا على الزواج منذ أكثر من عشرين عاما.
الموت والأرواح الشريرة !
يشكل الموت هاجسًا كبيرًا بالنسبة للصينيين، خصوصًا أن العقيدة الصينية لا تؤمن بالآخرة، لذلك يأخذ الموت أبعادًا مخيفة لا تستقيم مع النفس المطمئنة التي تدرك أن الموت ليس سوى بداية لحياة أخرى يحدد مسارها عمل الميت في دنياه، فإما أن تكون خيرًا وإما أن تكون شرًّا.
لذلك يحرص الصينيون على عدم ذكر الموت في حياتهم، حتى وإن جاء ليقبض أحد أقربائهم أو أصدقائهم، ويكتفون بالإشارة إليه عبر كلمات غير مباشرة أو رموز متعارف عليها في الصين.
ويعتقد الصينيون أن الموت هو اللحظة المشؤومة التي تنتصر فيها الأرواح الشريرة على الروح الطيبة للميت، لذلك يتجنبون النظر على سبيل المثال إلى سيارة الإسعاف التي يعتبرونها ملجأ للأرواح الشريرة، كما يقومون أثناء حدوث حالة الوفاة بتغطية المرايا بالشراشف السوداء لاعتقادهم أن من يرى النعش من ذوي الميت عبر المرآة، فإن لعنة الأرواح الشريرة ستطارده حتى تنال من روحه الطيبة.
الدفن وسر الراية الحمراء
يعلن الصينيون عن حدوث حالة الوفاة برفع راية بيضاء على باب أو شرفة بيت المتوفى، ويبدؤون استقبال المعزين الذين عادة ما يكونون من أهل وذوي الميت، وتبدأ أولى المراسم بإلباس المتوفى الثياب الأنيقة، التي لا علاقة لها بالكفن المتعارف عليه>
ويتجنب الصينيون استخدام الألوان النارية مثل الأصفر والأحمر في الملابس التي يرتديها المتوفى لأن ذلك كفيل بتحويله إلى شبح، حسب اعتقادهم، ويفضلون عليها اللون الأبيض، كما لا يلبس أهل المتوفى اللون الأحمر الذي يرمز إلى السعادة، لأن ذلك يتعارض مع حالة الوفاة، ويحط من احترامهم للميت، ولا ترتدي الأسرة عند مراسم الحرق أي مجوهرات أو مشغولات قيّمية، لأنهم مطالبون بخلع ملابسهم بعد إحراق الجثة، كما جرت العادة، وتركها وراءهم في المكان المخصص للدفن أو الحرق، ومن ثم ارتداء ثياب بيضاء يلبسونها حتى انقضاء فترة الحداد التي تستمر مائة يوم.
ويبقى الأكثر غرابة من كل ما تقدم هو اعتقاد الصينيين أن روح المتوفى ترجع إلى بيت صاحبها بعد سبعة أيام من دفنه أو حرقه، لذلك يعلق ذوو الميت على مدخل بيته راية حمراء لإرشاد روحه وضمان عودتها سالمة.
علي أبو مريحيل – بكين – الجزيرة